أولوية الأولويات
صفحة 1 من اصل 1
أولوية الأولويات
رشيد نيني
أولوية الأولويات
طلب وزير التعليم خشيشن من فرق الأحزاب البرلمانية أن تمده باقتراحاتها في ما يخص إصلاح منظومة التعليم، التي فشلت فشلا غير مسبوق. وبداية هذا الأسبوع سيجتمع المجلس الأعلى للتعليم ليتخذ الإجراءات العاجلة لإخراج التعليم من عنق الزجاجة.
يجب أن نكون صريحين عندما يتعلق الأمر بالتربية والتعليم، لأن أي نفاق سياسي بخصوص هذا الموضوع يعتبر خيانة عظمى في حق مستقبل المغرب. لذلك يجب أن نتفق على أن أزمة التربية والتعليم في المغرب لا تتحمل الدولة وحدها مسؤوليتها وإنما تتحملها الدولة ورجال التعليم وآباء وأولياء التلاميذ.
وإذا كانت الدولة قد ارتكبت كبيرة من الكبائر التي لن يسامحها عليها التاريخ، وهي تطبيق برنامج المغادرة الطوعية على رجال التعليم، بحيث غادرت الآلاف من أجود الأطر في التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، وإذا كانت الدولة تهدر ميزانيات ضخمة على التعليم بشكل عشوائي وغير معقلن، بحيث يوجد اليوم عشرات الآلاف من الأساتذة الفائضين الذين لا يفعلون غير مطالعة الجرائد في مندوبيات التعليم، مع أن العشرات من المدارس والثانويات بحاجة إلى هؤلاء الأساتذة، فإن رجال التعليم ونساءه يتحملون نصيبهم من المسؤولية في انحدار المستوى التعليمي إلى أدنى مستوياته منذ الاستقلال وإلى اليوم. وأنا هنا أتصور حجم السخط الذي سيشعر به بعض رجال التعليم عندما سيقرؤون هذا الكلام. مع أنهم يعرفون أكثر من غيرهم أننا لا نعمم هذا الحكم على سائر رجال التعليم، فبينهم رجال ونساء يشتغلون فوق طاقتهم وبوسائل بدائية، وبينهم رجال ونساء تعليم ظلمهم نظام الترقية الوزاري، ومع ذلك يؤدون الواجب بكل إخلاص وأمانة، محافظين على الصورة الجميلة لذلك المعلم الذي كاد أن يكون رسولا. وبينهم أساتذة وأستاذات يقطعون الجبال والفجاج العميقة من أجل تعليم أبناء المغاربة، بوسائل تعليم بدائية وتحت شروط اجتماعية مزرية وأحيانا بضمانات أمنية منعدمة. وكم معلمة تعرضت للخطف والاغتصاب وحتى القتل، وكم معلمة ذهبت لقمة سائغة للكلاب المشردة.
كل هذا الجهاد الكبير الذي تبذله الأسرة التعليمية في المغرب، لا يعفي بعض أعضاء هذه الأسرة من تحمل مسؤولياتهم في ما وصل إليه التعليم من انحدار.
وفي المغرب اليوم ليست هناك أسرة واحدة ليست لديها مشاكل مع الساعات الخصوصية التي حولها بعض رجال التعليم إلى «شركات مساهمة» تدر عليهم ربحا شهريا إضافيا خاليا من الضرائب. وكلنا نعرف الخيار الذي يعرضه بعض هؤلاء الأساتذة أمام تلاميذهم. فالذين يقبلون بالانخراط في نادي الساعات الإضافية يعاملون بطريقة معينة، أما الذين يرفضون الانخراط فيتعرضون لنوع من الإقصاء والتهميش العقابي. وقد تحولت الساعات الإضافية إلى ما يشبه السوق السوداء حيث تباع دروس الرياضيات والفيزياء واللغة العربية بالمزاد. إلى درجة أن الشغل الشاغل لبعض الأساتذة أصبح هو كيف يضاعفون عدد التلاميذ في حصصهم الليلية، حتى يضاعفوا مداخيلهم نهاية الشهر. ولذلك لا غرابة في أن نرى بعض رجال التعليم يتفرغون لاستثمار أموالهم في مشاريع لا علاقة لها بمهنتهم الأصلية، فأصبح منهم المنعشون العقاريون والسماسرة وأصحاب المقاهي والمحلبات.
إن القريحة التي كان رجل التعليم في السبعينات والثمانينات يؤدي بها عمله في القسم انتابها ضعف لا يخفى سوى على جاحد. والأسباب كثيرة ومتعددة، منها أن رجل التعليم الحالي يجد نفسه أمام جيل «معدل وراثيا» من التلاميذ لديه تقدير مهزوز نحو المدرسة كمؤسسة. فالتلاميذ اليوم أصبحوا يرون في أساتذتهم خصوما مفترضين لهم، ووصل الاحترام بين التلميذ وأستاذه درجة لا توصف من الانحطاط. ولعل الأسرة مسؤولة بشكل مباشر عن هذا الاحترام المفقود بين التلميذ وأستاذه. وهذه المسؤولية يلخصها الطبيب الباحث الفرنسي «ألدو ناوري» في كتابه الصادر هذا الأسبوع في باريس بعنوان «تربية أطفالنا، أولوية الأولويات الآن» في كون الآباء يقترفون خطأ جسيما عندما يعطون الحق لأبنائهم ضد أساتذتهم. فالأستاذ مهمته هي التعليم، وهذه القاعدة لا يجب الإخلال بها لمجرد أن الأستاذ يفرض تمارين كثيرة على التلاميذ أو يتشدد معهم في الواجبات المدرسية أو أنه حاد الطباع معهم. وحسب الدكتور ألدو يجب مساندة الأستاذ والدفاع عنه أمام التلميذ منذ التعليم الأساسي، هكذا نهيئ الطفل لعالم الغد حيث سيكون سهلا عليه أن يتقبل فكرة الرئيس والمرؤوس في عالم الشغل.
ومن هنا نمر إلى مسؤولية آباء وأولياء التلاميذ في الإفلاس الذي وصلت إليه المدرسة العمومية. كل الآباء في المغرب يدفعون انخراطا سنويا لجمعية اسمها جمعية آباء وأولياء التلاميذ. أتحدى أن يعرف تسعون بالمائة من آباء وأولياء التلاميذ لماذا تصلح هذه الجمعية وما هي صلاحياتها ولماذا يدفعون أصلا اشتراكا سنويا فيها. إن الجهل بأهمية «جمعية آباء وأولياء التلاميذ» هو الذي يشجع بعض مدراء المؤسسات التعليمية على اعتماد التساهل والعبث كسياسة تعليمية داخل المؤسسات التي يسيرونها. ولو تحمل آباء وأولياء التلاميذ مسؤوليتهم كما ينبغي وراقبوا عمل المؤسسة التي يتلقى فيها أبناؤهم تعليمهم، واحتجوا بالوسائل القانونية المخولة لهم كجمعية على غياب بعض الأساتذة، وعلى ابتزاز بعضهم الآخر للتلاميذ بواسطة الدروس الخصوصية، لساد المؤسسة جو من المسؤولية وإحساس بالمراقبة والمحاسبة.
في كتابه الهام، يركز الدكتور «ألدو» على دور الأب الحاسم في تربية الأبناء، كما يركز على ضرورة احترام التراتبية الأسرية في تربية الطفل. ويشير إلى تلك الخلاصة الهامة التي استنتجها الباحثون الذين حللوا ظاهرة انتشار العنف والفشل الدراسي والعقد النفسية بين أطفال الضواحي دون غيرهم، وهي غياب الأب. علينا أن نكون صريحين ونسأل أنفسنا بوضوح، كم أب بيننا يذهب إلى المؤسسة التعليمية التي يدرس بها ابنه أو ابنته كل شهر لكي يسأل الإدارة عن سلوكها ومستواها الدراسي ومشاكلها مع الأساتذة. أستطيع أن أقول بأن هناك آباء لا يعرفون حتى المستوى الدراسي الذي يدرس به أبناؤهم. من السهل أن نتهم الدولة بمسؤوليتها في فشل أبنائنا التعليمي، لكن هل يستطيع أن يعترف الآلاف من الآباء أنهم لا يعرفون أين تقضي بناتهم وأبناؤهم ساعات الفراغ بين حصة وأخرى. أنا أستطيع أن أقول لهم، فأنا أرى تلميذات في الثالثة عشرة من أعمارهن يوميا في أحياء وسط الدار البيضاء يجلسن أمام أبواب العمارات يراقبن مرور السيارات، وأراهن رفقة تلاميذ في أعمارهن يتجولن بحقائبهن فوق ظهورهن بين مقاهي الشيشة ونوادي الغولفازير المنتشرة مثل الفطر. حيث يضعن أولى خطواتهن في عالم الانحراف. ولربما كانت الدار البيضاء هي الوحيدة بين مدن العالم حيث يمكن أن تبدأ حفلات راقصة مخصصة للمراهقين في أوقات الدراسة، أي ابتداء من الثالثة بعد الزوال. أمام أنظار المسؤولين، وأحيانا بجانب مراكز الأمن.
هل يعرف آباء وأولياء التلاميذ أن هناك اليوم من يعرض على أبنائهم وبناتهم أمام أبواب الإعداديات والثانويات كؤوس النبيذ بدرهم ونصف للكأس، وأقراص القرقوبي وقطع الكيكة المحشوة بالمعجون.
طبعا الدولة مسؤولة عن حيادها أمام تفشي هذه الأمراض أمام عتبات المؤسسات التعليمية، لكن الآباء أيضا مسؤولون، ويجب أن يبذلوا مجهودا كبيرا لمراقبة أبنائهم وبناتهم. الشارع ليس مكانا آمنا حتى نرسل إليه أبناءنا ونجلس مطمئنين في البيت بانتظار عودتهم. الشارع غابة متوحشة مليئة بالذئاب الآدمية، وأطفالنا بمثابة طرائد سهلة بالنسبة لهؤلاء.
الجميع مقتنع على المستوى الحكومي أن التعليم الأساسي يجب أن يكون عصب الإصلاح التعليمي. لكن هل يجب أن نوقف العربة بأكملها من أجل إصلاح إحدى عجلاتها. سيكون ذلك كارثيا بكل المقاييس. لدينا الآن آلاف الطلبة في المعاهد والكليات والجامعات. أغلبهم يشكون من انسداد الأفق وقلة الإمكانيات العلمية والنقص الحاد في الأطر التعليمية الجامعية. وهنا أيضا سنفتح علينا أبواب جهنم عندما سنتحدث عن أولئك الأساتذة الجامعيين الذين أصبح كل همهم هو مراكمة الثروات على ظهور الطلبة عبر بيعهم محاضراتهم مطبوعة في كتب يفرضون عليهم شراءها والإدلاء بها في الامتحانات الشفوية. وهناك منهم من يجتهد أكثر ويعمد إلى توقيع كل كتاب يمتحن صاحبه حتى لا يستعمله طالب آخر في اجتياز الامتحان.
لن نضيف جديدا إذا قلنا أن الحياة الجامعية أصبحت بحاجة إلى تخليق عميق، بسبب تصرفات بعض الأساتذة المكبوتين الذين أصبحوا يستغلون سلطتهم على الطالبات في التحرش بهن جنسيا وتخييرهن صراحة بين الخدمات الجنسية والنقطة.
إن الجميع مدعو لتحمل مسؤوليته في هذه الكارثة الوطنية. وكم أشعر بالخجل عندما أسمع عن أرباح البنوك المغربية السنوية، وأرى كيف أن هذه المؤسسات المالية العملاقة ليس لديها برنامج لتقديم منح للطلبة المتفوقين، أو الطلبة المنحدرين من أوساط فقيرة. فكل همها هو تحقيق أرباح سنوية خيالية فقط.
هذه المؤسسات المالية الشحيحة مدعوة أيضا إلى تحمل مسؤوليتها في فشل السياسة التعليمية بالمغرب. لأنها لم تخصص جزءا من أرباحها لدعم هذا القطاع الحيوي والهام بالنسبة لمستقبل المغرب.
الشجاعة تقتضي أن نعترف بمسؤوليتنا، حكومة وأسرة تعليمية وآباء وأولياء تلاميذ بفشلنا الجماعي في ضمان مستقبل أفضل لأبنائنا ولشعبنا. الآن يجب أن نقرر جميعا تبني عنوان كتاب الدكتور «ألدو نوري» ونعتبر تربية وتعليم أبنائنا أولوية الأولويات.
يجب أن نكون صريحين عندما يتعلق الأمر بالتربية والتعليم، لأن أي نفاق سياسي بخصوص هذا الموضوع يعتبر خيانة عظمى في حق مستقبل المغرب. لذلك يجب أن نتفق على أن أزمة التربية والتعليم في المغرب لا تتحمل الدولة وحدها مسؤوليتها وإنما تتحملها الدولة ورجال التعليم وآباء وأولياء التلاميذ.
وإذا كانت الدولة قد ارتكبت كبيرة من الكبائر التي لن يسامحها عليها التاريخ، وهي تطبيق برنامج المغادرة الطوعية على رجال التعليم، بحيث غادرت الآلاف من أجود الأطر في التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، وإذا كانت الدولة تهدر ميزانيات ضخمة على التعليم بشكل عشوائي وغير معقلن، بحيث يوجد اليوم عشرات الآلاف من الأساتذة الفائضين الذين لا يفعلون غير مطالعة الجرائد في مندوبيات التعليم، مع أن العشرات من المدارس والثانويات بحاجة إلى هؤلاء الأساتذة، فإن رجال التعليم ونساءه يتحملون نصيبهم من المسؤولية في انحدار المستوى التعليمي إلى أدنى مستوياته منذ الاستقلال وإلى اليوم. وأنا هنا أتصور حجم السخط الذي سيشعر به بعض رجال التعليم عندما سيقرؤون هذا الكلام. مع أنهم يعرفون أكثر من غيرهم أننا لا نعمم هذا الحكم على سائر رجال التعليم، فبينهم رجال ونساء يشتغلون فوق طاقتهم وبوسائل بدائية، وبينهم رجال ونساء تعليم ظلمهم نظام الترقية الوزاري، ومع ذلك يؤدون الواجب بكل إخلاص وأمانة، محافظين على الصورة الجميلة لذلك المعلم الذي كاد أن يكون رسولا. وبينهم أساتذة وأستاذات يقطعون الجبال والفجاج العميقة من أجل تعليم أبناء المغاربة، بوسائل تعليم بدائية وتحت شروط اجتماعية مزرية وأحيانا بضمانات أمنية منعدمة. وكم معلمة تعرضت للخطف والاغتصاب وحتى القتل، وكم معلمة ذهبت لقمة سائغة للكلاب المشردة.
كل هذا الجهاد الكبير الذي تبذله الأسرة التعليمية في المغرب، لا يعفي بعض أعضاء هذه الأسرة من تحمل مسؤولياتهم في ما وصل إليه التعليم من انحدار.
وفي المغرب اليوم ليست هناك أسرة واحدة ليست لديها مشاكل مع الساعات الخصوصية التي حولها بعض رجال التعليم إلى «شركات مساهمة» تدر عليهم ربحا شهريا إضافيا خاليا من الضرائب. وكلنا نعرف الخيار الذي يعرضه بعض هؤلاء الأساتذة أمام تلاميذهم. فالذين يقبلون بالانخراط في نادي الساعات الإضافية يعاملون بطريقة معينة، أما الذين يرفضون الانخراط فيتعرضون لنوع من الإقصاء والتهميش العقابي. وقد تحولت الساعات الإضافية إلى ما يشبه السوق السوداء حيث تباع دروس الرياضيات والفيزياء واللغة العربية بالمزاد. إلى درجة أن الشغل الشاغل لبعض الأساتذة أصبح هو كيف يضاعفون عدد التلاميذ في حصصهم الليلية، حتى يضاعفوا مداخيلهم نهاية الشهر. ولذلك لا غرابة في أن نرى بعض رجال التعليم يتفرغون لاستثمار أموالهم في مشاريع لا علاقة لها بمهنتهم الأصلية، فأصبح منهم المنعشون العقاريون والسماسرة وأصحاب المقاهي والمحلبات.
إن القريحة التي كان رجل التعليم في السبعينات والثمانينات يؤدي بها عمله في القسم انتابها ضعف لا يخفى سوى على جاحد. والأسباب كثيرة ومتعددة، منها أن رجل التعليم الحالي يجد نفسه أمام جيل «معدل وراثيا» من التلاميذ لديه تقدير مهزوز نحو المدرسة كمؤسسة. فالتلاميذ اليوم أصبحوا يرون في أساتذتهم خصوما مفترضين لهم، ووصل الاحترام بين التلميذ وأستاذه درجة لا توصف من الانحطاط. ولعل الأسرة مسؤولة بشكل مباشر عن هذا الاحترام المفقود بين التلميذ وأستاذه. وهذه المسؤولية يلخصها الطبيب الباحث الفرنسي «ألدو ناوري» في كتابه الصادر هذا الأسبوع في باريس بعنوان «تربية أطفالنا، أولوية الأولويات الآن» في كون الآباء يقترفون خطأ جسيما عندما يعطون الحق لأبنائهم ضد أساتذتهم. فالأستاذ مهمته هي التعليم، وهذه القاعدة لا يجب الإخلال بها لمجرد أن الأستاذ يفرض تمارين كثيرة على التلاميذ أو يتشدد معهم في الواجبات المدرسية أو أنه حاد الطباع معهم. وحسب الدكتور ألدو يجب مساندة الأستاذ والدفاع عنه أمام التلميذ منذ التعليم الأساسي، هكذا نهيئ الطفل لعالم الغد حيث سيكون سهلا عليه أن يتقبل فكرة الرئيس والمرؤوس في عالم الشغل.
ومن هنا نمر إلى مسؤولية آباء وأولياء التلاميذ في الإفلاس الذي وصلت إليه المدرسة العمومية. كل الآباء في المغرب يدفعون انخراطا سنويا لجمعية اسمها جمعية آباء وأولياء التلاميذ. أتحدى أن يعرف تسعون بالمائة من آباء وأولياء التلاميذ لماذا تصلح هذه الجمعية وما هي صلاحياتها ولماذا يدفعون أصلا اشتراكا سنويا فيها. إن الجهل بأهمية «جمعية آباء وأولياء التلاميذ» هو الذي يشجع بعض مدراء المؤسسات التعليمية على اعتماد التساهل والعبث كسياسة تعليمية داخل المؤسسات التي يسيرونها. ولو تحمل آباء وأولياء التلاميذ مسؤوليتهم كما ينبغي وراقبوا عمل المؤسسة التي يتلقى فيها أبناؤهم تعليمهم، واحتجوا بالوسائل القانونية المخولة لهم كجمعية على غياب بعض الأساتذة، وعلى ابتزاز بعضهم الآخر للتلاميذ بواسطة الدروس الخصوصية، لساد المؤسسة جو من المسؤولية وإحساس بالمراقبة والمحاسبة.
في كتابه الهام، يركز الدكتور «ألدو» على دور الأب الحاسم في تربية الأبناء، كما يركز على ضرورة احترام التراتبية الأسرية في تربية الطفل. ويشير إلى تلك الخلاصة الهامة التي استنتجها الباحثون الذين حللوا ظاهرة انتشار العنف والفشل الدراسي والعقد النفسية بين أطفال الضواحي دون غيرهم، وهي غياب الأب. علينا أن نكون صريحين ونسأل أنفسنا بوضوح، كم أب بيننا يذهب إلى المؤسسة التعليمية التي يدرس بها ابنه أو ابنته كل شهر لكي يسأل الإدارة عن سلوكها ومستواها الدراسي ومشاكلها مع الأساتذة. أستطيع أن أقول بأن هناك آباء لا يعرفون حتى المستوى الدراسي الذي يدرس به أبناؤهم. من السهل أن نتهم الدولة بمسؤوليتها في فشل أبنائنا التعليمي، لكن هل يستطيع أن يعترف الآلاف من الآباء أنهم لا يعرفون أين تقضي بناتهم وأبناؤهم ساعات الفراغ بين حصة وأخرى. أنا أستطيع أن أقول لهم، فأنا أرى تلميذات في الثالثة عشرة من أعمارهن يوميا في أحياء وسط الدار البيضاء يجلسن أمام أبواب العمارات يراقبن مرور السيارات، وأراهن رفقة تلاميذ في أعمارهن يتجولن بحقائبهن فوق ظهورهن بين مقاهي الشيشة ونوادي الغولفازير المنتشرة مثل الفطر. حيث يضعن أولى خطواتهن في عالم الانحراف. ولربما كانت الدار البيضاء هي الوحيدة بين مدن العالم حيث يمكن أن تبدأ حفلات راقصة مخصصة للمراهقين في أوقات الدراسة، أي ابتداء من الثالثة بعد الزوال. أمام أنظار المسؤولين، وأحيانا بجانب مراكز الأمن.
هل يعرف آباء وأولياء التلاميذ أن هناك اليوم من يعرض على أبنائهم وبناتهم أمام أبواب الإعداديات والثانويات كؤوس النبيذ بدرهم ونصف للكأس، وأقراص القرقوبي وقطع الكيكة المحشوة بالمعجون.
طبعا الدولة مسؤولة عن حيادها أمام تفشي هذه الأمراض أمام عتبات المؤسسات التعليمية، لكن الآباء أيضا مسؤولون، ويجب أن يبذلوا مجهودا كبيرا لمراقبة أبنائهم وبناتهم. الشارع ليس مكانا آمنا حتى نرسل إليه أبناءنا ونجلس مطمئنين في البيت بانتظار عودتهم. الشارع غابة متوحشة مليئة بالذئاب الآدمية، وأطفالنا بمثابة طرائد سهلة بالنسبة لهؤلاء.
الجميع مقتنع على المستوى الحكومي أن التعليم الأساسي يجب أن يكون عصب الإصلاح التعليمي. لكن هل يجب أن نوقف العربة بأكملها من أجل إصلاح إحدى عجلاتها. سيكون ذلك كارثيا بكل المقاييس. لدينا الآن آلاف الطلبة في المعاهد والكليات والجامعات. أغلبهم يشكون من انسداد الأفق وقلة الإمكانيات العلمية والنقص الحاد في الأطر التعليمية الجامعية. وهنا أيضا سنفتح علينا أبواب جهنم عندما سنتحدث عن أولئك الأساتذة الجامعيين الذين أصبح كل همهم هو مراكمة الثروات على ظهور الطلبة عبر بيعهم محاضراتهم مطبوعة في كتب يفرضون عليهم شراءها والإدلاء بها في الامتحانات الشفوية. وهناك منهم من يجتهد أكثر ويعمد إلى توقيع كل كتاب يمتحن صاحبه حتى لا يستعمله طالب آخر في اجتياز الامتحان.
لن نضيف جديدا إذا قلنا أن الحياة الجامعية أصبحت بحاجة إلى تخليق عميق، بسبب تصرفات بعض الأساتذة المكبوتين الذين أصبحوا يستغلون سلطتهم على الطالبات في التحرش بهن جنسيا وتخييرهن صراحة بين الخدمات الجنسية والنقطة.
إن الجميع مدعو لتحمل مسؤوليته في هذه الكارثة الوطنية. وكم أشعر بالخجل عندما أسمع عن أرباح البنوك المغربية السنوية، وأرى كيف أن هذه المؤسسات المالية العملاقة ليس لديها برنامج لتقديم منح للطلبة المتفوقين، أو الطلبة المنحدرين من أوساط فقيرة. فكل همها هو تحقيق أرباح سنوية خيالية فقط.
هذه المؤسسات المالية الشحيحة مدعوة أيضا إلى تحمل مسؤوليتها في فشل السياسة التعليمية بالمغرب. لأنها لم تخصص جزءا من أرباحها لدعم هذا القطاع الحيوي والهام بالنسبة لمستقبل المغرب.
الشجاعة تقتضي أن نعترف بمسؤوليتنا، حكومة وأسرة تعليمية وآباء وأولياء تلاميذ بفشلنا الجماعي في ضمان مستقبل أفضل لأبنائنا ولشعبنا. الآن يجب أن نقرر جميعا تبني عنوان كتاب الدكتور «ألدو نوري» ونعتبر تربية وتعليم أبنائنا أولوية الأولويات.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى