تطوير العملية التعليمية في حقل الإدارة العامة
صفحة 1 من اصل 1
تطوير العملية التعليمية في حقل الإدارة العامة
تطوير العملية التعليمية في حقل الإدارة العامة مدخل إعادة التفكير
استهلال:
لا يستطيع أى مجتمع تحقيق أهداف التنمية الشاملة ، ومواجهه متطلبات المستقبل ، إلا بالمعرفة والثقافة والخبرة ، والطريق إلى ذلك هى العلم والتعليم .
وليس هناك جدال فى إن الجامعة من أهم مؤسسات صناعه العلم ومن أهم منظمات نشرة وتوصيله إلى جميع المواطنين كل وفق طاقاته وملكاته وحسب ظروفه وإمكاناته .
ومن المؤكد إن الحديث عن العلم والتعليم إنما يعنى الحديث عن المستقبل ، ذلك أننا نعلم لزمان قادم ، ومن ثم لابد من أن نتطلع إلى هذا المستقبل وان نأخذ العدة لملاحقة تغيراته ومسايرة تطوراته بل وان نسعى إلى التحكم فيها .
وعلى ذلك يصبح ضروريا أن يوجه الجهد الأصيل للجامعات نحو أعداد الإنسان وتهيئته لتحمل مسئولياته الآنية والمستقبلية تجاه نفسه ومجتمعه ، وذلك بتزويده بالمهارات العلمية والأساسية وإمداده بالمعارف المتطورة اللازمة .
ولعل أحد أهم المداخل فى هذا السياق هو إعادة التفكير فى العملية التعليمية سعيا نحو تطوير المقررات الدراسية وتحديث أساليب التدريس وما يتصل ذلك من عناصر وعمليات لكى نتمكن من مسايرة التغيرات ومواكبة المستجدات .
وورقه العمل هذه تعتمد ذلك المدخل كأحد أدوات التطوير فى مجال محدد وهو تطوير العملية التعليمية فى حقل الإدارة العامة وهو مجال العمل وموضوع التخصص ومناط الاهتمام لمقدم الورقة .
ويمكن عرض الأفكار الرئيسية فى ضوء التقسيم التالى :
أولا" : حقل الإدارة العامة .
ثانيا" : التطورات العالمية المؤثرة .
ثالثا" : مقترحات الاستجابة والتطوير .
أولا" : حقل الإدارة العامة .
فى كتاب دراسة كلاسيكى ، عرف هربت سيمون ودونالد سمثبرج وفكتور تومسون الإدارة تعريفا بسيطا لكنه معبر للغاية فى هذه الجملة " عندما يتعاون شخصان لدحرجة حجر لا يمكنه إن يتحرك وحده ، فان عناصر الإدارة تظهر " وهذا يوضح الكثير حول ماهية الإدارة .
إن أول واهم مكون للإدارة هو الناس أو البشر ، الحجر بذاته وهو قائم على تل ليس متداخلا فى أى شكل من أشكال الإدارة بحيث انه لو تدحرج لأسفل التل بفعل الطبيعة فان الإدارة هنا لا تقوم .
الناس أو البشر يجب أن يتواجدوا قبل أن تقوم الإدارة .
العنصر أو المكون الثانى للإدارة هو الفعل . رجلان ينظران إلى الحجر لا يتدخلان بهذا الأمر وحده ، فى الإدارة فعليهما إن يقدما على فعل ما تجاه الحجر قبل إن تدخل الإدارة إلى الصورة .
العنصر أو المكون الثالث هو التفاعل ، إذ لو حرك أحد الرجلين الحجر وحده فان الإدارة لا تتحقق ، على الأقل رجلان يجب إن يتضافرا جهودهما على نحو ما لتحريك الحجر .
تفاعل الناس مع بعضهم البعض لإدارة المهام هو ما يعنى الإدارة فجوهر الإدارة هو الناس مرتبطين بأناس آخرين ومتفاعلين معهم .
الإدارة ، فى التحليل الأخير ، هى عمليه تضم بشرا مرتبطين بالعمل نحو أهداف مشتركة .
هذا عن الإدارة فماذا عن العامة ؟
عام تعنى ببساطه المواطنين فى منطقه معينه ، الناس فى قرية ، مدينه ، محافظة ، منطقة ، دولة ، أو قطر ، إذا كان الموضوع يعتبر ضمن السيادة العامة ، فان المعلومات والمناقشات حول هذا الموضوع تصبح مفتوحة ومشاركة بين الناس ، ويمكن إن تكون معروضة للجميع .
وأيضا" كلمة عام تسير إلى النشاطات التى تديرها الحكومة باسم المجتمع كله .
وهكذا يمكننا تعريف الإدارة العامة ببساطه بأنها الأنشطة التى تقوم بها الحكومة لتوفير السلع والخدمات للجمهور .
إذن المهام الرئيسية للإدارة العامة هى تقديم الخدمات والسلع وتوفير الحماية .
والإدارة العامة ذات طبيعة مزدوجة حيث تجمع بين النظام الأكاديمى والنشاط المهنى وفى هذه الورقة سوف نتعامل مع الإدارة العامة فى شقها الأول أى كنظام أكاديمى .
** يمثل حقل الإدارة العامة وضعا" فريدا" ومثيرا" بين حقول العلوم الاجتماعية فهو من ناحية تتضح طبيعته البينية بشكل قاطع إذ يستفيد ويفيد من الحقول الاجتماعية الأخرى ولا يستطيع إن يقم مكانته المنهجية مستقلا عن هذه الحقول مما يجعل له هوية متميزة وفريدة ، من حيث إنها هوية ناضجة تأخذ من مناهج عديدة وتصب فى مصبات متنوعة .
ويتميز ذلك الحقل كذلك بأنه يتأثر بشكل سريع بالتطورات السياسية والاقتصادية والثقافية فى محيطات الدول التى يبحث أو يدرس فيها ، ومن هنا تعتبر من اصعب الأمور فى حقل الإدارة العامة مسالة أقامه بناء نظرى مثلما هو الحال فى كثير من العلوم الاجتماعية الأخرى ، ويغلب على حقل الإدارة العامة الجانب التطبيقى طالما انه يأخذ من حقول أخرى فانه بالقطع لن يأخذ منها إلا ما هو صالح للتطبيق ، كما إن ارتباطه بالتطورات السياسية والاقتصادية يجعله يتبنى التوجهات العملية من حيث كفاءة التشغيل وفاعلية الاستجابة للمتغيرات البيئية ، ولا ينفى ذلك وجود مبادئ توضع فى إطار نظرى وتكون مؤسسة على تحليل للواقع مستهدفة تحسينه ، ومن هنا تستمد هذه المبادئ جانبا" كبيرا" فى تكوينها من توصيف ما هو قائم ومحاولة تحسينه مما يجعل الأداة التنظيمية والأداة السلوكية والأداة الثقافية من أهم أدوات حقل الإدارة العامة .
الإدارة العامة كميدان للدراسة ذات تاريخ طويل يعود إلى العصور القديمة عندما قامت محاولات فى مصر الفرعونية وفى الصين القديمة لتلقين المبادئ الصحيحة للإدارة ولكن بوادر دراسة الإدارة العامة بصورتها الحالية نشأت خلال العصور الوسطى .
وتعتبر نشأة العلوم الكاميرالية Cameral Sciences فى بروسيا ، والتى سبقت العلوم الإدارية Administrative ، بداية التطور الحقيقى فى دراسة الإدارة العامة وذلك حين شعر أمراء الإقطاع باحتياجهم للأموال وظهرت لهم أهميه الإدارة السليمة والحاجة إلى دراسة الأسس للممارسة مهنة الإدارة ، أى العمل الحكومى ، وكان ينظر إلى الإدارة العامة فى ذلك الوقت على إنها الوقوف على بعض أسرار المهنة وحيلها .
وتتابعت التطورات وزاد الاهتمام بالإدارة حتى وصل ذورته عندما انشأ فردريك وليم الأول إمبراطور بروسيا أول كرسى للدراسات الإدارية عام 1727 م ، واستمرت التطورات فى ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وأسبانيا وإيطاليا ويوغوسلافيا وتركيا والبرازيل والولايات المتحدة ، ومصر منذ عهد محمد على ، إلى إن وصلت الإدارة العامة – كميدان للدراسة والبحث – إلى ما نعرفه اليوم .
واصبح التخصص العلمى للإدارة العامة موجودا فى كل الجامعات الغربية الكبرى وكافة الجامعات العربية ، ولعل إنشاء قسم للإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة يمثل تطورا طبيعيا فى مجال الأرتقاء بمستوى الاهتمام بالعلوم الإدارية إذ تمثل الكلية الوعاء الأكبر الذى يغذى تخصص الإدارة وينميه وهذا هو الاتجاه السائد فى معظم النظم الجامعية فى الولايات المتحدة الأمريكية .
وعلى أية حال لا تخلو جامعه الان من وجود تخصص الإدارة العامة وتصبح القضية المثارة هى هل يصبح مدرسه مستقلة ؟ أو يكون مدرسة للدراسات العليا فقط ؟ أو يتمثل فى قسم ضمن أقسام مدرسة ؟ وفى الحالة الأخيرة جرى العرف أن يكون ضمن مدرسة اكبر للشئون العامة وهى فى مفهومنا الاقتصاد والعلوم السياسة والإحصاء وعلوم الحاسب ، وهى أهم الحقول المرتبطة بالإدارة العامة .
** وتدرس الإدارة العامة اليوم فى صورة تجمع بعض الدول بين اكثر من واحدة منها وهذه الصور هى :-
دراسة الإدارة العامة ضمنا خلال الدراسات التى لها صله بالإدارة العامة ، مثل إدارة الأعمال أو القانون الإدارى أو العلوم السياسية ، ولعل هذه هى أولى صور دراسة وتدريس الإدارة العامة .
دراسة الإدارة العامة كمادة مستقلة ولكن فى إطار برامج وكليات أو معاهد غير كليات ومعاهد للإدارة العامة مثل تدريس الإدارة العامة فى كليات الحقوق أو التجارة أو الاقتصاد والعلوم السياسية أو الاقتصاد والعلوم الإدارية .
إنشاء كليات للإدارة على المستوى الجامعى بحيث تكون الإدارة هى مجال الدراسة العام وموضوعاتها وفروعها المختلفة مجالات التخصص .
إنشاء مدارس أو كليات للإدارة العامة فى نطاق الدراسات العليا بالجامعات وهى تقبل خريجى بعض الكليات المختلفة وتمنح درجه الماجستير والدكتوراه فى الإدارة العامة .
إنشاء مدارس متخصصة فى الإدارة العامة خارج نطاق الجامعات الهدف منها تخريج العاملين بالأجهزة الحكومية ، ويلتحق بها الدارسون بعد تخرجهم من الجامعة .
إنشاء معاهد للإدارة العامة تجمع بين الدراسة والتدريب كما تقوم بأبحاث فى مجال الإدارة ، مثل معهد الإدارة العامة فى مصر ، معهد الإدارة العامة فى السعودية ، المعهد الدولى للإدارة العامة بفرنسا .
أقامه برامج تنمية إدارية للقادة الإداريين على المستويات العليا Development Programs Executive ومن ابرز أمثلها برامج القادة الإداريين التى بدأت فى مصر عام 1963 ، وبرامج المنظمة العربية للتنمية الإدارية التى بدأت عام 1969 وهى – وان كانت تنصب أساسا" على التدريب – لها انعكاسات واضحة على إثارة الاهتمام بدراسة الإدارة وعلى تدعيم البحث الإدارى .
وهكذا يمكن القول بان دراسة الإدارة العامة قد تطورت من تدريب ميدانى فى الواقع أثناء العمل إلى دراسة مرتبطة بالقانون ثم إلى دراسة مرتبطة فى إطار العلوم السياسية حتى استقلت وأصبحت ميدانا متخصصا فى الدراسة .
استهلال:
لا يستطيع أى مجتمع تحقيق أهداف التنمية الشاملة ، ومواجهه متطلبات المستقبل ، إلا بالمعرفة والثقافة والخبرة ، والطريق إلى ذلك هى العلم والتعليم .
وليس هناك جدال فى إن الجامعة من أهم مؤسسات صناعه العلم ومن أهم منظمات نشرة وتوصيله إلى جميع المواطنين كل وفق طاقاته وملكاته وحسب ظروفه وإمكاناته .
ومن المؤكد إن الحديث عن العلم والتعليم إنما يعنى الحديث عن المستقبل ، ذلك أننا نعلم لزمان قادم ، ومن ثم لابد من أن نتطلع إلى هذا المستقبل وان نأخذ العدة لملاحقة تغيراته ومسايرة تطوراته بل وان نسعى إلى التحكم فيها .
وعلى ذلك يصبح ضروريا أن يوجه الجهد الأصيل للجامعات نحو أعداد الإنسان وتهيئته لتحمل مسئولياته الآنية والمستقبلية تجاه نفسه ومجتمعه ، وذلك بتزويده بالمهارات العلمية والأساسية وإمداده بالمعارف المتطورة اللازمة .
ولعل أحد أهم المداخل فى هذا السياق هو إعادة التفكير فى العملية التعليمية سعيا نحو تطوير المقررات الدراسية وتحديث أساليب التدريس وما يتصل ذلك من عناصر وعمليات لكى نتمكن من مسايرة التغيرات ومواكبة المستجدات .
وورقه العمل هذه تعتمد ذلك المدخل كأحد أدوات التطوير فى مجال محدد وهو تطوير العملية التعليمية فى حقل الإدارة العامة وهو مجال العمل وموضوع التخصص ومناط الاهتمام لمقدم الورقة .
ويمكن عرض الأفكار الرئيسية فى ضوء التقسيم التالى :
أولا" : حقل الإدارة العامة .
ثانيا" : التطورات العالمية المؤثرة .
ثالثا" : مقترحات الاستجابة والتطوير .
أولا" : حقل الإدارة العامة .
فى كتاب دراسة كلاسيكى ، عرف هربت سيمون ودونالد سمثبرج وفكتور تومسون الإدارة تعريفا بسيطا لكنه معبر للغاية فى هذه الجملة " عندما يتعاون شخصان لدحرجة حجر لا يمكنه إن يتحرك وحده ، فان عناصر الإدارة تظهر " وهذا يوضح الكثير حول ماهية الإدارة .
إن أول واهم مكون للإدارة هو الناس أو البشر ، الحجر بذاته وهو قائم على تل ليس متداخلا فى أى شكل من أشكال الإدارة بحيث انه لو تدحرج لأسفل التل بفعل الطبيعة فان الإدارة هنا لا تقوم .
الناس أو البشر يجب أن يتواجدوا قبل أن تقوم الإدارة .
العنصر أو المكون الثانى للإدارة هو الفعل . رجلان ينظران إلى الحجر لا يتدخلان بهذا الأمر وحده ، فى الإدارة فعليهما إن يقدما على فعل ما تجاه الحجر قبل إن تدخل الإدارة إلى الصورة .
العنصر أو المكون الثالث هو التفاعل ، إذ لو حرك أحد الرجلين الحجر وحده فان الإدارة لا تتحقق ، على الأقل رجلان يجب إن يتضافرا جهودهما على نحو ما لتحريك الحجر .
تفاعل الناس مع بعضهم البعض لإدارة المهام هو ما يعنى الإدارة فجوهر الإدارة هو الناس مرتبطين بأناس آخرين ومتفاعلين معهم .
الإدارة ، فى التحليل الأخير ، هى عمليه تضم بشرا مرتبطين بالعمل نحو أهداف مشتركة .
هذا عن الإدارة فماذا عن العامة ؟
عام تعنى ببساطه المواطنين فى منطقه معينه ، الناس فى قرية ، مدينه ، محافظة ، منطقة ، دولة ، أو قطر ، إذا كان الموضوع يعتبر ضمن السيادة العامة ، فان المعلومات والمناقشات حول هذا الموضوع تصبح مفتوحة ومشاركة بين الناس ، ويمكن إن تكون معروضة للجميع .
وأيضا" كلمة عام تسير إلى النشاطات التى تديرها الحكومة باسم المجتمع كله .
وهكذا يمكننا تعريف الإدارة العامة ببساطه بأنها الأنشطة التى تقوم بها الحكومة لتوفير السلع والخدمات للجمهور .
إذن المهام الرئيسية للإدارة العامة هى تقديم الخدمات والسلع وتوفير الحماية .
والإدارة العامة ذات طبيعة مزدوجة حيث تجمع بين النظام الأكاديمى والنشاط المهنى وفى هذه الورقة سوف نتعامل مع الإدارة العامة فى شقها الأول أى كنظام أكاديمى .
** يمثل حقل الإدارة العامة وضعا" فريدا" ومثيرا" بين حقول العلوم الاجتماعية فهو من ناحية تتضح طبيعته البينية بشكل قاطع إذ يستفيد ويفيد من الحقول الاجتماعية الأخرى ولا يستطيع إن يقم مكانته المنهجية مستقلا عن هذه الحقول مما يجعل له هوية متميزة وفريدة ، من حيث إنها هوية ناضجة تأخذ من مناهج عديدة وتصب فى مصبات متنوعة .
ويتميز ذلك الحقل كذلك بأنه يتأثر بشكل سريع بالتطورات السياسية والاقتصادية والثقافية فى محيطات الدول التى يبحث أو يدرس فيها ، ومن هنا تعتبر من اصعب الأمور فى حقل الإدارة العامة مسالة أقامه بناء نظرى مثلما هو الحال فى كثير من العلوم الاجتماعية الأخرى ، ويغلب على حقل الإدارة العامة الجانب التطبيقى طالما انه يأخذ من حقول أخرى فانه بالقطع لن يأخذ منها إلا ما هو صالح للتطبيق ، كما إن ارتباطه بالتطورات السياسية والاقتصادية يجعله يتبنى التوجهات العملية من حيث كفاءة التشغيل وفاعلية الاستجابة للمتغيرات البيئية ، ولا ينفى ذلك وجود مبادئ توضع فى إطار نظرى وتكون مؤسسة على تحليل للواقع مستهدفة تحسينه ، ومن هنا تستمد هذه المبادئ جانبا" كبيرا" فى تكوينها من توصيف ما هو قائم ومحاولة تحسينه مما يجعل الأداة التنظيمية والأداة السلوكية والأداة الثقافية من أهم أدوات حقل الإدارة العامة .
الإدارة العامة كميدان للدراسة ذات تاريخ طويل يعود إلى العصور القديمة عندما قامت محاولات فى مصر الفرعونية وفى الصين القديمة لتلقين المبادئ الصحيحة للإدارة ولكن بوادر دراسة الإدارة العامة بصورتها الحالية نشأت خلال العصور الوسطى .
وتعتبر نشأة العلوم الكاميرالية Cameral Sciences فى بروسيا ، والتى سبقت العلوم الإدارية Administrative ، بداية التطور الحقيقى فى دراسة الإدارة العامة وذلك حين شعر أمراء الإقطاع باحتياجهم للأموال وظهرت لهم أهميه الإدارة السليمة والحاجة إلى دراسة الأسس للممارسة مهنة الإدارة ، أى العمل الحكومى ، وكان ينظر إلى الإدارة العامة فى ذلك الوقت على إنها الوقوف على بعض أسرار المهنة وحيلها .
وتتابعت التطورات وزاد الاهتمام بالإدارة حتى وصل ذورته عندما انشأ فردريك وليم الأول إمبراطور بروسيا أول كرسى للدراسات الإدارية عام 1727 م ، واستمرت التطورات فى ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وأسبانيا وإيطاليا ويوغوسلافيا وتركيا والبرازيل والولايات المتحدة ، ومصر منذ عهد محمد على ، إلى إن وصلت الإدارة العامة – كميدان للدراسة والبحث – إلى ما نعرفه اليوم .
واصبح التخصص العلمى للإدارة العامة موجودا فى كل الجامعات الغربية الكبرى وكافة الجامعات العربية ، ولعل إنشاء قسم للإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة يمثل تطورا طبيعيا فى مجال الأرتقاء بمستوى الاهتمام بالعلوم الإدارية إذ تمثل الكلية الوعاء الأكبر الذى يغذى تخصص الإدارة وينميه وهذا هو الاتجاه السائد فى معظم النظم الجامعية فى الولايات المتحدة الأمريكية .
وعلى أية حال لا تخلو جامعه الان من وجود تخصص الإدارة العامة وتصبح القضية المثارة هى هل يصبح مدرسه مستقلة ؟ أو يكون مدرسة للدراسات العليا فقط ؟ أو يتمثل فى قسم ضمن أقسام مدرسة ؟ وفى الحالة الأخيرة جرى العرف أن يكون ضمن مدرسة اكبر للشئون العامة وهى فى مفهومنا الاقتصاد والعلوم السياسة والإحصاء وعلوم الحاسب ، وهى أهم الحقول المرتبطة بالإدارة العامة .
** وتدرس الإدارة العامة اليوم فى صورة تجمع بعض الدول بين اكثر من واحدة منها وهذه الصور هى :-
دراسة الإدارة العامة ضمنا خلال الدراسات التى لها صله بالإدارة العامة ، مثل إدارة الأعمال أو القانون الإدارى أو العلوم السياسية ، ولعل هذه هى أولى صور دراسة وتدريس الإدارة العامة .
دراسة الإدارة العامة كمادة مستقلة ولكن فى إطار برامج وكليات أو معاهد غير كليات ومعاهد للإدارة العامة مثل تدريس الإدارة العامة فى كليات الحقوق أو التجارة أو الاقتصاد والعلوم السياسية أو الاقتصاد والعلوم الإدارية .
إنشاء كليات للإدارة على المستوى الجامعى بحيث تكون الإدارة هى مجال الدراسة العام وموضوعاتها وفروعها المختلفة مجالات التخصص .
إنشاء مدارس أو كليات للإدارة العامة فى نطاق الدراسات العليا بالجامعات وهى تقبل خريجى بعض الكليات المختلفة وتمنح درجه الماجستير والدكتوراه فى الإدارة العامة .
إنشاء مدارس متخصصة فى الإدارة العامة خارج نطاق الجامعات الهدف منها تخريج العاملين بالأجهزة الحكومية ، ويلتحق بها الدارسون بعد تخرجهم من الجامعة .
إنشاء معاهد للإدارة العامة تجمع بين الدراسة والتدريب كما تقوم بأبحاث فى مجال الإدارة ، مثل معهد الإدارة العامة فى مصر ، معهد الإدارة العامة فى السعودية ، المعهد الدولى للإدارة العامة بفرنسا .
أقامه برامج تنمية إدارية للقادة الإداريين على المستويات العليا Development Programs Executive ومن ابرز أمثلها برامج القادة الإداريين التى بدأت فى مصر عام 1963 ، وبرامج المنظمة العربية للتنمية الإدارية التى بدأت عام 1969 وهى – وان كانت تنصب أساسا" على التدريب – لها انعكاسات واضحة على إثارة الاهتمام بدراسة الإدارة وعلى تدعيم البحث الإدارى .
وهكذا يمكن القول بان دراسة الإدارة العامة قد تطورت من تدريب ميدانى فى الواقع أثناء العمل إلى دراسة مرتبطة بالقانون ثم إلى دراسة مرتبطة فى إطار العلوم السياسية حتى استقلت وأصبحت ميدانا متخصصا فى الدراسة .
تتمة الموضوع السابق
*** وتجدر الإشارة هنا إلى إن الإدارة العامة كحقل دراسى دخلت حديثا" المنطقة العربية ، فكان أول مقرر دراسى هو الذى قدمه الدكتور / محمد توفيق رمزى عام 1954 ودخلت فى برامج كليات الحقوق عام 1955 ولكن من منظور القانون الإدارى ، ثم أدرك بعض فقهاء القانون الإدارى تميزها عنه بعد ذلك بقليل ، ثم أدخلت فى برامج كليات التجارة فى أواخر الخمسينات وبعدها فى برامج أقسام العلوم السياسية ، وتفرد لها اليوم بعض الجامعات العربية أقساما" متخصصة ويدخلها البعض الآخر فى برامج أقسام إدارة الأعمال وأقسام العلوم السياسية .
وقد توسعت الإدارة العامة – كعلم وميدان للدراسة – وتطورت حتى أصبحت تضم فروعا" مختلفة أهمها : أصول ومبادئ الإدارة العامة ، التنظيم ، أساليب العمل ، إدارة الموارد البشرية وتنميتها ، تخطيط وإدارة الموارد المالية ، الدراسات السلوكية ، إدارة المدن والبلديات ، الإدارة العامة المقارنة ، مناهج البحث فى الإدارة العامة ، التخطيط الإقليمى ، إدارة الأزمات والكوارث، تحليل السياسات العامة … وغيرها .
وكما مرت دراسة الإدارة العامة بمراحل عديدة من حيث نطاق ومجال دراستها والبحث فيها ، فقد مرت كذلك من حدث المنهج بمراحل يمكن أجمالها فى أربع : المنهج الأول ويمثله المدخل الدستورى القانونى التاريخى ، المنهج الثانى ويعبر عنه المدخل التنظيمى الوصفى ، المنهج الثالث هو الاجتماعى النفسى ، والمنهج الرابع والأخير هو المنهج المعاصر المعروف بالمدخل البيئى أو الايكولوجى .
ثانيا" : التطورات العالمية المؤثرة .
لا يتسع المجال هنا للتفصيل فى شان التغيرات والتحولات العالمية والمحلية المؤثرة على حقل الإدارة العامة، ومن ثم نشير إلى أهمها فيما يلى :
انتصار الفكر الاقتصادى الحر والوصول إلى يقين بان اقتصاد السوق هو الاقتصاد الذى يكفل افضل توزيع للموارد ، وأيضا" افضل استخدام لها فى المجتمع ، وقد تأكد أن انفراد الدولة بتعبئة الموارد واستخدامها لا يضمن التنمية المتواصلة .
ويرتبط بهذا التحول فكر هام بشأن دور الدولة ، مقضاه انه على الرغم من إن اقتصاد السوق يضمن توزيعا واستخدام افضل للموارد إلا إن للدولة دور هام وباق ومستمر خاصة فى الدول النامية ، فدور الدولة لم يلغ ولكنه تغير .
(2) الانتقال من أسواق متعددة فيها حواجز طبيعية أو اصطناعية إلى الاتجاه نحو السوق العالمية الواحدة ، وقد وضعت لبنات هذا التحول من خلال الاتفاقية العام للتعريفة و التجارة المعروفة باسم الجات General Agreement For Tariff and Trade (G A T T)
وفى طريقة لان يستكمل ، وبالتالى سوف تتعامل المنظمات فى أسواق اكبر واكثر تنافسا وتواجه عدد اكبر من المتنافسين فى القريب العاجل ، ومن ثم لابد من الاستعداد لذلك .
اصبح الثلاثى الذى يحكم التقدم وهو رأس المال والتكنولوجيا والقدرة الإدارية ، اكثر مرونة فى التحرك والانتقال عن ذى قبل وقد تحررت هذه العناصر من القيود التاريخية وانطلقت تبحث عن المواقع الجديدة فى العالم لتحقيق فرص افضل للاستثمار .
(4) الزيادة السريعة والمتلاحقة فى الإنتاج العقلى والتوصل إلى قناعه بأن القوة النسبية لأية دولة ، ونحن على بعد سنة من القرن الواحد والعشرين ، سوف تتحدد بقدرتها على تعظيم الإنتاج العقلى والتوجه فى مجال التركيز إلى مجالات محددة مثل الهندسة الوراثية والاتصالات والمعلومات وأنظمة الإدارة الحديثة .
القناعة لدى المخططين والممارسين لبرامج التنمية بأن التنمية بمعدلات عالية ومستمرة يعتمد على تراكمات راس المال وهو أمر لازم لكنه ليس كافيا إذ أن الأهم هو الاستخدام الأمثل لراس المال ، وتعظيم الإنتاجية هنا مرتبط بالجهود المبذولة فى مجالين هما التنمية التكنولوجية والتنمية البشرية .
والحقيقة إن هذه التطورات تمثل بداية ظهور دور جديد للدولة ذى طبيعة حيوية مع حجم صغير من الناحية الكمية ، بمعنى انه رغم الاتجاه إلى الانكماش فى دور الدولة من حيث حجم مؤسساتها وعدد العاملين فيها ، إلا أن هذا يصاحبه تطور خطير ومهم فى دور الدولة بمعنى إننا نستطيع القول بأن الدولة الراعية والمساندة تقوم بدورها ربما يكون اخطر من دور الدولة المنفذة والمسئولة بشكل مباشر .
وينقلنا هذا الحديث إلى الإشارة إلى التفكير الإدارى الجديد فى شان دور ووظائف الحكومة أو إعادة اختراع الحكومة والذى يتمثل أساسا" فى الآتى :
تخفيف أعباء الحكومة والإدارة العامة بإعطاء دور اكبر للقطاع الخاص .
رفع كفاءة اتصال الخدمات العامة .
تمكين المواطنين .
إن الفكر الإدارى المعاصر يسعى نحو إيجاد حكومة فعالة تنظر وتعطى الكثير من الاهتمام إلى النتائج ، الأمر الذى يعنى دورا جديدا" للحكومة تتمثل أبعاده الأساسية فيما يلى :
حكومة مسانده بمعنى أنها تمسك بالدفة ولا تجدف .
حكومة يمتلكها المجتمع بمعنى أنها تعتمد على الآليات التنافسية لإيصال الخدمات .
حكومة ذات رسالة تتجه بشكل دائم نحو الخروج على الروتين .
حكومة تسعى لإرضاء المتعاملين من خلال إشباع احتياجاتهم بشكل غير بيروقراطى .
حكومة إدارة أعمال حيث تهدف إلى تحقيق عائد ولا يقتصر دورها على مجرد الأنفاق .
حكومة لا مركزية بمعنى إنها تحاول التخلى تدريجيا" عن مفهوم الهيراركية لتتجه نحو مفاهيم أخرى كالمشاركة وروح الفريق .
حكومة تهتم بالسوق وتأخذ باعتباراته عند التطوير .
إدارة حكومية بالنتائج .
مزيد من مشاركة القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ( أو القطاع غير الهادف للربح ) مع الحكومة .
إننا فى هذا السياق نرنو نحو " حكومة استثمارية ذات نظرة تجارية " كما يتجسد ذلك فى التجربتين الأمريكية والبريطانية فى شان مراجعه الأداء القومى والإدارة الحديثة ، ومن ثم فان مبادئ الخدمة العامة الأساسية كالحياد والاستجابة والمساواة والعدالة والتكامل والالتزام تحل محلها – تدريجيا"- مفاهيم إدارة القطاع الخاص كالمناقشة والكفاءة والإنتاجية والربحية .
لقد تأثرت أساليب الإدارة العامة بأساليب إدارة الأعمال – وعلاقة التأثير والتأثر من فرعى الإدارة كانت قائمه ومرغوب فيها – ولكن التوجه نحو اقتصاديات السوق وتقليص الدور المباشر للدولة ودعم القطاع الخاص ، قد جعل الإدارة تأخذ بالمزيد من أساليب إدارة الأعمال مثل دراسات الجدوى ، ودراسات السوق ،وإدارة الترويج ، ونظم قياس العوائد وتقييم التكاليف … الخ ، ومع ذلك يظل للإدارة العامة هويتها الخاصة التى تميزها عن إدارة الأعمال وبالذات بالنسبة لاختلاف واضح بينهما فى مجال المسألة Accountability والعدالة Equity ، ومن يصبح مطلوبا" تطوير أساليب الإدارة العامة والحكم وإعطاء مجال أوسع لاعتبارات الكفاءة Efficiency .
من هنا يجىء الاهتمام بالمفهوم الجديد نسبيا" للإدارة العامة Public Management والذى يعتبر فرعا من الحقل الأكبر للإدارة العامة Public Administration وهذا الفرع يهتم بفن ومهارات المنهجية لتصميم برامج الإدارة العامة مع توجيه التركيز على الإدارة العامة كمهنه وحرفة وعلى المدير كممارس لهذه المهنة اكثر منه كسياسى أو رجل دولة والتركيز على الأنشطة الإدارية التى تظهر داخل المنظمات الحكومية ، وبدلا من التركيز على الاعتبارات السياسية التى تتخلل عملية صنع السياسات تهتم أساسا بتنفيذ هذه السياسات .
ثالثا" : مقترحات الاستجابة والتطوير .
فى الواقع توجد عده محاور فى شأن الاتجاهات الحديثة فى التعليم وحقل الإدارة العامة استجابة للتطورات التى سبق الإشارة إليها ، يعد من أهمها ما يلى باختصار يناسب طبيعة ورقه العمل :
1-إضافة بعض المقررات لبرامج التدريس فى أقسام الإدارة العامة مثل مقرر " أساليب حل المشكلات " ومقرر " مهارات الاستشارة للمدربين " والاهتمام بالموضوعات المستحدثة فى مجال التطوير والإصلاح الإدارى مثل فكرة إعادة الاختراع Reinventing فى وظائف الحكومة والإدارة ، فكرة أو مدخل الندرة أو إعادة الهندسة Reengineering مدخل إعادة الهيكلة Restructuring ، والإدارة على أسس تجارية Commercial وكذلك استعادة الاهتمام بمدخل الإدارة بالأهداف MOB ليمثل مكانه خاصة فى مجال قياس الأداء والمساءلة . وفى هذه السياق لابد من إدماج مفهوم العالمية فى البرامج الدراسية من خلال مؤثرات مثل الإدارة الدولية ، التسويق الدولى ، التمويل الدولى ، وإدارة الشئون البيئية .
2- إعطاء مزيد من الاهتمام للتدريس فى مجال المنظمات غير الحكومية باعتبارها القطاع الثالث الذى يمثل مع القطاعين الأولين ( العام والخاص ) النظام
الإدارى فى المجتمع الحديث ، تلك المنظمات التى بات الأمل معقودا عليها فى القيام بدور فعال فى عملية التنمية المجتمعية الشاملة ، ولعل ما يقوم به قسم الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعه القاهرة ما يمثل تجسيد لهذا الاهتمام سواء على مستوى البكالوريوس أو الدراسات العليا .
3-لابد وان يلعب الحاسب وتطبيقاته دورا" محوريا فى المنهج الدراسى ، فمن المهم إجادة استخدام الحاسب والعلم بأساسيات تكنولوجيا المعلومات ، ويلزم أن يتعامل الطالب مع الحاسب بشكل مستمر فى تطبيقاته المختلفة .
دور (www) مهم جدا فى الحصول على معلومات والإحاطة بكل جديد ، فضلا عن دورها فى تعظيم الاتصالات بين أقسام وكليات الإدارة العامة فى العالم .
لابد من العمل على الانتقال من نظام " الإرشاد التعليمى المعتمد على المعلم " إلى نظام "التدريس المرتكز على اعتماد الطالب على نفسه " والذى يتطلب المشاركة من خلال الفعاليات التعليمية .
كذلك فان الإشكال التقليدية للتعليم كالمحاضرات والندوات وحلقات الدراسة يجب إن يستبدل بها نظم تقديم أوراق العمل ، وتمثيل الأدوار والمحاكاة ودراسة الحالات وبمعنى أوسع التعليم التجريبى Experimental Learning بل أن التعليم من خلال المحاضرات سوف يختفى خلال سنوات قليلة قادمة ولن يكون جزءا من عملية التعليم التى سوف تتم بطرق مختلفة ، فالإرسال والاستقبال سوف يتم إلكترونيا ، والتفكير النقدى والمهارات الشخصية سوف تنمو عبر استراتيجيات التعليم التفاعلى .
التأكيد على ضرورة توثيق العلاقة مع المجتمع ، والدراسات الميدانية باتت أساسية للتوصيل إلى حلول للمشكلات .
وفى هذا المجال يجب العمل على جذب أصحاب الخبرة العملية للاشتراك فى العملية التعليمية ، حيث الإدارة العامة علم وسائل وتشغيل وتطبيق اكثر مما هو مجال نظرى ويرتبط بذلك تشجيع عضوية الممارسين والخبراء ورجال الأعمال فى مجالس الأقسام العلمية ومجالس الكليات لربط الجامعة بالمجتمع بطريقة أوثق خاصة سوق العمل .
تطوير مهارات الطلاب الشخصية والتى تتضمن إدارة الصراعات ، المفاوضات الاتصالات ، مع مختلف العملاء الذين لهم خلفيات واهتمامات متباينة وإتاحة الفرصة للطلاب لاستخدام طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية فى ابتكار والتجديد ، بمعنى آخر التركيز فى العملية التعليمية على استخدام الفرد لعقلة ومعارفه بدرجه اكبر من طاقاته البدنية ، والتركيز على التفكير النقدى والتحليلى .
ضرورة الاهتمام بموضوعات أصبحت فى غاية الأهمية فى حقل الإدارة العامة مثل التمكين Empowerment والشفافية Transparency ، المساءلة Accountability وأسلوب الحكم الموسع أو الجديد Governance والمشروعات الصغيرة وغيرها .
إن الأفكار الجديدة للإدارة والممارسات التى تتنوع عنها وتجسدها ، تحتاج إلى مهارات جديدة ينبغى أن تنعكس فى المقررات الدراسية وفى أساليب التدريس بحيث تساهم فى تزويد الطلاب بها ، واهم هذه المهارات هى الرؤية النافذة للأمور ، التوقع والبصيرة المستقبلية ، توقع التغيير وأحداثه ، إدارة الضغوط ، الانفتاح والقدرة على التعليم باستمرار ، إدارة فرق العمل ، اتخاذ القرارات وأخيرا" الأقدام وروح رجل الأعمال .
وبعد …
إننا مطالبون بإعادة التفكير فى كثير من – إن لم يكن فى كل – شئون حياتنا فالتطوير أمر لازم ودليل حيوية خاصة فى ظل التطورات المتلاحقة فى كافة مناح الحياة ويأتى فى مقدمة مجالات التطوير فى الجامعات ما يختص بالعملية التعليمية وقد اقتصرنا فى ورقه العمل هذه على حقل الإدارة العامة .
وقد توسعت الإدارة العامة – كعلم وميدان للدراسة – وتطورت حتى أصبحت تضم فروعا" مختلفة أهمها : أصول ومبادئ الإدارة العامة ، التنظيم ، أساليب العمل ، إدارة الموارد البشرية وتنميتها ، تخطيط وإدارة الموارد المالية ، الدراسات السلوكية ، إدارة المدن والبلديات ، الإدارة العامة المقارنة ، مناهج البحث فى الإدارة العامة ، التخطيط الإقليمى ، إدارة الأزمات والكوارث، تحليل السياسات العامة … وغيرها .
وكما مرت دراسة الإدارة العامة بمراحل عديدة من حيث نطاق ومجال دراستها والبحث فيها ، فقد مرت كذلك من حدث المنهج بمراحل يمكن أجمالها فى أربع : المنهج الأول ويمثله المدخل الدستورى القانونى التاريخى ، المنهج الثانى ويعبر عنه المدخل التنظيمى الوصفى ، المنهج الثالث هو الاجتماعى النفسى ، والمنهج الرابع والأخير هو المنهج المعاصر المعروف بالمدخل البيئى أو الايكولوجى .
ثانيا" : التطورات العالمية المؤثرة .
لا يتسع المجال هنا للتفصيل فى شان التغيرات والتحولات العالمية والمحلية المؤثرة على حقل الإدارة العامة، ومن ثم نشير إلى أهمها فيما يلى :
انتصار الفكر الاقتصادى الحر والوصول إلى يقين بان اقتصاد السوق هو الاقتصاد الذى يكفل افضل توزيع للموارد ، وأيضا" افضل استخدام لها فى المجتمع ، وقد تأكد أن انفراد الدولة بتعبئة الموارد واستخدامها لا يضمن التنمية المتواصلة .
ويرتبط بهذا التحول فكر هام بشأن دور الدولة ، مقضاه انه على الرغم من إن اقتصاد السوق يضمن توزيعا واستخدام افضل للموارد إلا إن للدولة دور هام وباق ومستمر خاصة فى الدول النامية ، فدور الدولة لم يلغ ولكنه تغير .
(2) الانتقال من أسواق متعددة فيها حواجز طبيعية أو اصطناعية إلى الاتجاه نحو السوق العالمية الواحدة ، وقد وضعت لبنات هذا التحول من خلال الاتفاقية العام للتعريفة و التجارة المعروفة باسم الجات General Agreement For Tariff and Trade (G A T T)
وفى طريقة لان يستكمل ، وبالتالى سوف تتعامل المنظمات فى أسواق اكبر واكثر تنافسا وتواجه عدد اكبر من المتنافسين فى القريب العاجل ، ومن ثم لابد من الاستعداد لذلك .
اصبح الثلاثى الذى يحكم التقدم وهو رأس المال والتكنولوجيا والقدرة الإدارية ، اكثر مرونة فى التحرك والانتقال عن ذى قبل وقد تحررت هذه العناصر من القيود التاريخية وانطلقت تبحث عن المواقع الجديدة فى العالم لتحقيق فرص افضل للاستثمار .
(4) الزيادة السريعة والمتلاحقة فى الإنتاج العقلى والتوصل إلى قناعه بأن القوة النسبية لأية دولة ، ونحن على بعد سنة من القرن الواحد والعشرين ، سوف تتحدد بقدرتها على تعظيم الإنتاج العقلى والتوجه فى مجال التركيز إلى مجالات محددة مثل الهندسة الوراثية والاتصالات والمعلومات وأنظمة الإدارة الحديثة .
القناعة لدى المخططين والممارسين لبرامج التنمية بأن التنمية بمعدلات عالية ومستمرة يعتمد على تراكمات راس المال وهو أمر لازم لكنه ليس كافيا إذ أن الأهم هو الاستخدام الأمثل لراس المال ، وتعظيم الإنتاجية هنا مرتبط بالجهود المبذولة فى مجالين هما التنمية التكنولوجية والتنمية البشرية .
والحقيقة إن هذه التطورات تمثل بداية ظهور دور جديد للدولة ذى طبيعة حيوية مع حجم صغير من الناحية الكمية ، بمعنى انه رغم الاتجاه إلى الانكماش فى دور الدولة من حيث حجم مؤسساتها وعدد العاملين فيها ، إلا أن هذا يصاحبه تطور خطير ومهم فى دور الدولة بمعنى إننا نستطيع القول بأن الدولة الراعية والمساندة تقوم بدورها ربما يكون اخطر من دور الدولة المنفذة والمسئولة بشكل مباشر .
وينقلنا هذا الحديث إلى الإشارة إلى التفكير الإدارى الجديد فى شان دور ووظائف الحكومة أو إعادة اختراع الحكومة والذى يتمثل أساسا" فى الآتى :
تخفيف أعباء الحكومة والإدارة العامة بإعطاء دور اكبر للقطاع الخاص .
رفع كفاءة اتصال الخدمات العامة .
تمكين المواطنين .
إن الفكر الإدارى المعاصر يسعى نحو إيجاد حكومة فعالة تنظر وتعطى الكثير من الاهتمام إلى النتائج ، الأمر الذى يعنى دورا جديدا" للحكومة تتمثل أبعاده الأساسية فيما يلى :
حكومة مسانده بمعنى أنها تمسك بالدفة ولا تجدف .
حكومة يمتلكها المجتمع بمعنى أنها تعتمد على الآليات التنافسية لإيصال الخدمات .
حكومة ذات رسالة تتجه بشكل دائم نحو الخروج على الروتين .
حكومة تسعى لإرضاء المتعاملين من خلال إشباع احتياجاتهم بشكل غير بيروقراطى .
حكومة إدارة أعمال حيث تهدف إلى تحقيق عائد ولا يقتصر دورها على مجرد الأنفاق .
حكومة لا مركزية بمعنى إنها تحاول التخلى تدريجيا" عن مفهوم الهيراركية لتتجه نحو مفاهيم أخرى كالمشاركة وروح الفريق .
حكومة تهتم بالسوق وتأخذ باعتباراته عند التطوير .
إدارة حكومية بالنتائج .
مزيد من مشاركة القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ( أو القطاع غير الهادف للربح ) مع الحكومة .
إننا فى هذا السياق نرنو نحو " حكومة استثمارية ذات نظرة تجارية " كما يتجسد ذلك فى التجربتين الأمريكية والبريطانية فى شان مراجعه الأداء القومى والإدارة الحديثة ، ومن ثم فان مبادئ الخدمة العامة الأساسية كالحياد والاستجابة والمساواة والعدالة والتكامل والالتزام تحل محلها – تدريجيا"- مفاهيم إدارة القطاع الخاص كالمناقشة والكفاءة والإنتاجية والربحية .
لقد تأثرت أساليب الإدارة العامة بأساليب إدارة الأعمال – وعلاقة التأثير والتأثر من فرعى الإدارة كانت قائمه ومرغوب فيها – ولكن التوجه نحو اقتصاديات السوق وتقليص الدور المباشر للدولة ودعم القطاع الخاص ، قد جعل الإدارة تأخذ بالمزيد من أساليب إدارة الأعمال مثل دراسات الجدوى ، ودراسات السوق ،وإدارة الترويج ، ونظم قياس العوائد وتقييم التكاليف … الخ ، ومع ذلك يظل للإدارة العامة هويتها الخاصة التى تميزها عن إدارة الأعمال وبالذات بالنسبة لاختلاف واضح بينهما فى مجال المسألة Accountability والعدالة Equity ، ومن يصبح مطلوبا" تطوير أساليب الإدارة العامة والحكم وإعطاء مجال أوسع لاعتبارات الكفاءة Efficiency .
من هنا يجىء الاهتمام بالمفهوم الجديد نسبيا" للإدارة العامة Public Management والذى يعتبر فرعا من الحقل الأكبر للإدارة العامة Public Administration وهذا الفرع يهتم بفن ومهارات المنهجية لتصميم برامج الإدارة العامة مع توجيه التركيز على الإدارة العامة كمهنه وحرفة وعلى المدير كممارس لهذه المهنة اكثر منه كسياسى أو رجل دولة والتركيز على الأنشطة الإدارية التى تظهر داخل المنظمات الحكومية ، وبدلا من التركيز على الاعتبارات السياسية التى تتخلل عملية صنع السياسات تهتم أساسا بتنفيذ هذه السياسات .
ثالثا" : مقترحات الاستجابة والتطوير .
فى الواقع توجد عده محاور فى شأن الاتجاهات الحديثة فى التعليم وحقل الإدارة العامة استجابة للتطورات التى سبق الإشارة إليها ، يعد من أهمها ما يلى باختصار يناسب طبيعة ورقه العمل :
1-إضافة بعض المقررات لبرامج التدريس فى أقسام الإدارة العامة مثل مقرر " أساليب حل المشكلات " ومقرر " مهارات الاستشارة للمدربين " والاهتمام بالموضوعات المستحدثة فى مجال التطوير والإصلاح الإدارى مثل فكرة إعادة الاختراع Reinventing فى وظائف الحكومة والإدارة ، فكرة أو مدخل الندرة أو إعادة الهندسة Reengineering مدخل إعادة الهيكلة Restructuring ، والإدارة على أسس تجارية Commercial وكذلك استعادة الاهتمام بمدخل الإدارة بالأهداف MOB ليمثل مكانه خاصة فى مجال قياس الأداء والمساءلة . وفى هذه السياق لابد من إدماج مفهوم العالمية فى البرامج الدراسية من خلال مؤثرات مثل الإدارة الدولية ، التسويق الدولى ، التمويل الدولى ، وإدارة الشئون البيئية .
2- إعطاء مزيد من الاهتمام للتدريس فى مجال المنظمات غير الحكومية باعتبارها القطاع الثالث الذى يمثل مع القطاعين الأولين ( العام والخاص ) النظام
الإدارى فى المجتمع الحديث ، تلك المنظمات التى بات الأمل معقودا عليها فى القيام بدور فعال فى عملية التنمية المجتمعية الشاملة ، ولعل ما يقوم به قسم الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعه القاهرة ما يمثل تجسيد لهذا الاهتمام سواء على مستوى البكالوريوس أو الدراسات العليا .
3-لابد وان يلعب الحاسب وتطبيقاته دورا" محوريا فى المنهج الدراسى ، فمن المهم إجادة استخدام الحاسب والعلم بأساسيات تكنولوجيا المعلومات ، ويلزم أن يتعامل الطالب مع الحاسب بشكل مستمر فى تطبيقاته المختلفة .
دور (www) مهم جدا فى الحصول على معلومات والإحاطة بكل جديد ، فضلا عن دورها فى تعظيم الاتصالات بين أقسام وكليات الإدارة العامة فى العالم .
لابد من العمل على الانتقال من نظام " الإرشاد التعليمى المعتمد على المعلم " إلى نظام "التدريس المرتكز على اعتماد الطالب على نفسه " والذى يتطلب المشاركة من خلال الفعاليات التعليمية .
كذلك فان الإشكال التقليدية للتعليم كالمحاضرات والندوات وحلقات الدراسة يجب إن يستبدل بها نظم تقديم أوراق العمل ، وتمثيل الأدوار والمحاكاة ودراسة الحالات وبمعنى أوسع التعليم التجريبى Experimental Learning بل أن التعليم من خلال المحاضرات سوف يختفى خلال سنوات قليلة قادمة ولن يكون جزءا من عملية التعليم التى سوف تتم بطرق مختلفة ، فالإرسال والاستقبال سوف يتم إلكترونيا ، والتفكير النقدى والمهارات الشخصية سوف تنمو عبر استراتيجيات التعليم التفاعلى .
التأكيد على ضرورة توثيق العلاقة مع المجتمع ، والدراسات الميدانية باتت أساسية للتوصيل إلى حلول للمشكلات .
وفى هذا المجال يجب العمل على جذب أصحاب الخبرة العملية للاشتراك فى العملية التعليمية ، حيث الإدارة العامة علم وسائل وتشغيل وتطبيق اكثر مما هو مجال نظرى ويرتبط بذلك تشجيع عضوية الممارسين والخبراء ورجال الأعمال فى مجالس الأقسام العلمية ومجالس الكليات لربط الجامعة بالمجتمع بطريقة أوثق خاصة سوق العمل .
تطوير مهارات الطلاب الشخصية والتى تتضمن إدارة الصراعات ، المفاوضات الاتصالات ، مع مختلف العملاء الذين لهم خلفيات واهتمامات متباينة وإتاحة الفرصة للطلاب لاستخدام طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية فى ابتكار والتجديد ، بمعنى آخر التركيز فى العملية التعليمية على استخدام الفرد لعقلة ومعارفه بدرجه اكبر من طاقاته البدنية ، والتركيز على التفكير النقدى والتحليلى .
ضرورة الاهتمام بموضوعات أصبحت فى غاية الأهمية فى حقل الإدارة العامة مثل التمكين Empowerment والشفافية Transparency ، المساءلة Accountability وأسلوب الحكم الموسع أو الجديد Governance والمشروعات الصغيرة وغيرها .
إن الأفكار الجديدة للإدارة والممارسات التى تتنوع عنها وتجسدها ، تحتاج إلى مهارات جديدة ينبغى أن تنعكس فى المقررات الدراسية وفى أساليب التدريس بحيث تساهم فى تزويد الطلاب بها ، واهم هذه المهارات هى الرؤية النافذة للأمور ، التوقع والبصيرة المستقبلية ، توقع التغيير وأحداثه ، إدارة الضغوط ، الانفتاح والقدرة على التعليم باستمرار ، إدارة فرق العمل ، اتخاذ القرارات وأخيرا" الأقدام وروح رجل الأعمال .
وبعد …
إننا مطالبون بإعادة التفكير فى كثير من – إن لم يكن فى كل – شئون حياتنا فالتطوير أمر لازم ودليل حيوية خاصة فى ظل التطورات المتلاحقة فى كافة مناح الحياة ويأتى فى مقدمة مجالات التطوير فى الجامعات ما يختص بالعملية التعليمية وقد اقتصرنا فى ورقه العمل هذه على حقل الإدارة العامة .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى